واصل سماحة الشيخ محمود طاهري سلسلة مجالسه الحسينية وذلك في ليلة الرابع من شهر محرم لعام 1441 هـ ، و تحت عنوان " نقولات حادثة كربلاء من منظار علم الحديث " - دراسة علمية لبيان كيفية التعامل مع أخبار واقعة كربلاء مع مقدمة منهجية لضابطة نقل التراث الروائي - ، حيث بدأ سماحته بالآية السادسة من سورة الحجرات " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)" ، حديثنا في هذه الليلة عن المنهجية التي يُفترض أن يتبعها الباحث في نقل الوقائع المرتبطة بتراث الإمام الحسين ( ع ) ، ونعني بتراث الحسين واقعة كربلاء ، الأخبار التي حصلت في حركة الإمام ( ع ) منذ خروجه من مدينة رسول الله و الى مقتله الشريف ، مما يعطي استفهامًا على لزوم معرفة القضايا التاريخية أن تخضع للأسس القرآنية و الأسس الروائية و الأسس المعرفية ، أم أن السرد التأريخي لابد أن يكون مجردًا عن أية مفردة لا ترتبط بالتأريخ حيث المؤرخ في نقل ما رآه متى ما كان ثقة نأخذ به ؟
لابد أن ندمج بين الحقائق التأريخية و الروائية أم لابد أن نأخذ الرواية التأريخة بعيدًا عن أي شيء آخر ، وهناك بعض الأمثلة كبكاء الحسين على أعداءه وهذا غير ثابت ومخالف للقرآن ، و قطع الأكبر رأس أعداءه حيث أنه من مصاديق المثلى ، نعتقد بان التراث التأريخي يجب أن يُعرض على القرآن و الأدبيات الروائية في ما كان الحدث لا يتناسب مع الإمام أو الشخصية الإيمانية أحيانًا و ليس دائمًا ، هناك روايات تقول بأن الإمام مسح الدماء عن رأس الرضيع وينقلها الطبري ، و روايات تقول بان الإمام رمى الدمى الى الأرض وينقلها الشيخ المفيد ، و رواية تقول بأن الإمام رمى الدماء ناحية السماء ، هذه المفردة لا ربط بها بشأن المعصوم ، و لا ترتبط بالجانب العقدي و السلوكي ، و لكن كيفما كان أي رواية نختار ؟ ، وهناك فروقات واضحة بين المواقف ، هناك مواقف لها لوازم عقائدية ، الأمر الثاني من مصاديق المفتاح المنهجي لقراءة التراث الديني أن نعرف بأن الأخبار تنقسم الى قسمين ، أخبارٌ متواترة و التي تورث القطع و اليقين و لا يُحتمل فيها الكذب كواقعة الغدير ، وأخبار ظنيّة لكتها معتبرة ، لا تورث اليقين و العلم الا أنها تعطينا الإطمئنان ، و الشارع المقدس عبّدنا بتلك الأخبار ، مصاديق الخبر الظني روايات الاحكام الشرعية ، مقدارٌ كبيرٌ منها هي روايات ظنية وليست علمية كالصلاة و الصوم و الزكاة يعبّر عنها بروايات الآحاد و لا تصل الى حدّ التواتر .
واقعة كربلاء متواترة كمقتل الحسين ، أما بقية التفاصيل فأغلب الأمور ظنية ، روايات التأريخ و أحداث التأريخ لا يشترط فيها العلم اليقيني ، بل نكتفي بالأخبار الظنية المتواترة و المنقولة من المعصوم أو بعض ما كتب في التأريخ ، أمّا الأمور الإعتقادية فلا تثبت بالاخبار الظنّية ، روايات الآداب و السنن لا يوجد تشدد في البُعد السندي لأنها روايات لا تخالف العقل وقد تكون طرقها معتبرة أو شبه معتبرة ، هناك تشدد في روايات الأحكام ،في البحث التأريخي لا نشترط أن تكون الرواية قطعية بل أن تكون الرواية علمية .
القضايا التأريخية ليست من قبيل القضايا العقلية والرياضية الفلسفية لا تقبل التبدّل و التغيير و بقية القضايا الاخرى المتعلقة بالعقل كالتقاء النقيضان ، لا يجب أن يكون الباحث التأريخي مقلّدًا لما بحث عنه ما قبله ، حيث يقول الشيخ المفيد في كتابه شرح عقائد الصدوق «فأما ما ذكره أبو جعفر «الصدوق» من مضي نبينا (صلى الله عليه وآله)، والأئمة (عليهم السلام) بالسم والقتل، فمنه ما ثبت ومنه ما لم يثبت، والمقطوع به أن أمير المؤمنين والحسن والحسين، خرجوا من الدنيا بالقتل، ولم يمت أحدهم حتف أنفه، وممن مضى بعدهم مسموماً موسى بن جعفر ويقوى في النفس أمر الرضا، وإن كان فيه شك، فلا طريق إلى الحكم فيمن عداهم بأنهم سموا أو اغتيلوا صبراً فالخبر بذلك يجري مجرى الإرجاف وليس إلى تيقنه سبيل». الطائفة قديمًا و حديثًا هناك نوع من التسالم في ذلك ، فالعلامة المجلسي يخالف الشيخ المفيد ، و يقول بأن الخمسة هناك أخبار يقينية على أنهم خرجوا من الدنيا اما بالسم او القتل وما عداهم من الأئمة توجد أخبار ولكنها ظنية و الخبر الظني في التأريخ من الأخبار المعتبرة ، مضافًا الى هذه المفردة هناك قاعدة روائية عامة تلقفها العلماء " ما منا الا مسموم أو مقتول " ، البحث التأريخي ليس بحثًا رياضيا و فلسفيًا بل هو قابل للاجتهاد سلبًا و ايجابًا .
المفردة الأخرى لا يترتب عليها أثر اعتقادي ، حيث لو اعتقد انسانًا بأن الإمام الباقر لم يُقتل بالسم ، لم يخالف العقيدة الإثناعشرية ، مسألة الإعتقاد بقتل الأئمة ليست من الأمور الإعتقادية التي تُصيّر الإنسان كافرًا أو خارجًا من حد الدين ، أما في مقام نقل حادثة الوفاة أو الشهادة هنا يقع الإشكال اذا كان مُلتفتًا ، أمَا لو لم يعتقد أحد بواقعة الغدير فهي ليست واقعة تاريخة محضة بل هي مقدمة لاثبات ولاية علي و التي تعتبر من ضروريات الدين ، في البحث التأريخي لابد أن يتجرد الباحث من كل أمر لا ربط له في التأريخ ، بعد ذلك يعرض المصداق التاريخي على القرآن ، ولذا الشيخ المطهري تأثر بالميرزا النوري صاحب كتاب اللؤلؤ و المرجان ، وما عرضه المطهري في الملحمة الحسينية أن ليلى أم الأكبر ليست موجودة في كربلاء ، و يأتي باحث آخر من أهل التتبع و يثبت وجودها ، حيث خروج امراة كالشمس الطالعة هي ليلى ، فهناك خلاف . لا يوجد اصرار على تغليب رأي على رأي آخر ، أحد الباحثين المحققين صاحب كتاب تساؤلات يقول بان حبيب بن مظاهر كان مع الحسين حينما دخل الى كربلاء بينما البعض يقول بأنه التحق مع الحسين و الدليل على ذلك أنه كان موجودًا لما كان مسلم بن عقيل في الكوفة ، وهذا لا يترتب عليه أثر معرفي أو قرآني فالقضايا التاريخية قابلة للنفي و الاثبات مع الدليل
مناشئ الإثبات و النفي التاريخي تارة تكون الروايات او النقولات كما في دم عبدالله الرضيع فلا ترجيح لرأي على آخر ، هناك قضايا بامكاننا أن نُقحم العقل فيها كما نقل السيد المقرّن بأن مسلم بن عقيل كان يرمي الرجل على الدار وهذا معقول ، لأن الدار في تلك الأزمنة ليست على حالها اليوم ، لا يوجد اصرارٌ على اثباته او نفيه ، لا يجب أن تقرأ الحدث التأريخي انطلاقًا من البيئة التي نعيشها ، فنطبق قواعد الإرتكاز و تسريتها على التاريخ وهذا خطأ . هناك مفردات عقائدية في كربلاء ، و أكبر الإشكالات التي طُرحت هي علم الإمام الحسين ( ع ) ، وقد ألف الشيخ نعمة الله صالحي كتاب الشهيد الخالد الحسين بن علي ، تبنى نظرية أن الحسين لم يخرج من أجل الشهادة بل لأنه رأى بأن الوقت آنذاك متاحًا لاقامة الحاكمية الإسلامية فكان عزم الإمام أن يؤسس دولة اسلامية ، و صارت معركة بين العلماء آنذاك و السيد الكلبايكاني و المرعشي و اعتبر ذلك الكتاب من كتب الضلال ، لأن صاحب النظرية قدح في علم الإمام ، و الرواية التي تنقل ما ورد من قئ الإمام عليه السلام البيض الذي قامر به الغلام أيضًا تصطدم مع علم الإمام . نحتاج الى ميزان لمعرفة ان المفردات العاشورية هل تدخل في العقائد كعلم الإمام أم تكون المفردة التأريخية مفردة فقهية كجواز خروج الحاج من الحج في يوم الثامن من ذي الحجة و هذا ما سنناقشه يوم الغد .
تارة تكون المسألة التاريخة مُستبعدة عقلًا و تارة تكون مستبعدة عُرفًا ، كتزويج الحسين القاسم ، وان تمسك البعض بهذا الكلام لكنه لا يعد تخريجًا صحيحًا لقراءة التأريخ ، المفردة التأريخة هي مفردة تخييلية تمثيلية . لما كان دعبل في محضر الرضا ( ع ) وهو معصوم قال " أفاطم لو خلت الحسين مجدلًا " ، ان صح التعبير ان الحدث التأريخي من قبيل العمل السينمائي وبالتالي ادخال في التاريخ ما يتناسب مع مقام الحدث لا يضر مع أصل الواقعة ، المُستمع عادة ما يتنظر من المتكلم أن يعطيه الصورة واضحة بلا ضبابية وهذا لا يصطدم مع الدين فالتشبيه مهم . فنحن نقول لو كان الحسن ( ع ) موجودًا لزوجه ، كما وصف دعبل الزهراء ( ع ) و لم ينهه الإمام بل بكى الإمام الرضا ، " اذن للطمت الخد " ، بعض الباحثين يقولون أن دعبل طبّق قاعدة لسان الحال وهذا خطأ ، دعبل طبّق وصف الحال ، لسان الحال لابد أن يذكر المتكلم لسان من يُراد تصوير حاله . البحث التأريخي بحث تصويري لا ينبغي اقحام القواعد العقلية و التشدد ، في قبال ذلك ينلغي عدم قبول الأكاذيب و تطبيق هذا الأمر .
التعليقات (0)