شارك هذا الموضوع

الشيخ محمود طاهري ليلة الثالث من المحرم لعام 1441 هـ

واصل سماحة الشيخ محمود طاهري سلسلة مجالسه الحسينية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك لليلة الثالثة من شهر المحرم الحرام لعام 1441 هـ ، حيث أكمل سماحته موضوع البارحة بحديث عن الإمام الرضا عليه السلام " إِنْ بَكَيْتَ عَلَى الْحُسَيْنِ ( عليه السَّلام ) حَتَّى تَصِيرَ دُمُوعُكَ عَلَى خَدَّيْكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ كُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتَهُ، صَغِيراً كَانَ أَوْ كَبِيراً، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيراً. " ، روايات البكاء على الحسين ( ع ) ، وقد بقي محور أخير في هذا البحث ، جملة من الإشكالات و الاعتراضات على روايات البكاء منشأها عدم معقولية أن يكون البكاء - وهو أمر سهل - ، نتيجة السهل هو الأمر العظيم كغفران الذنوب ، و سنربط بحثنا أن زيارة الإمام تعدل عشرين حجة أو عمرة .

أولًا : مفردة غفران الذنوب من خلال البكاء ، نحن نعتقد أن هذه المقامات هي كرامة له عليه السلام ، فحينما قُتل ، عوضه سبحانه و تعالى بعدة أمور كالشفاء بتربته ، روايات أهل البيت و كلمات الفقهاء تنص بأن الجائز من أكل التربة هو خصوص تراب الحسين ، مسألة الإمتياز لا تلازم الأفضلية ، ليس كل امتياز للإمام المعصوم تدل بالملازمة على أنه الأفضل ، حيث أن النبي ( ص ) هو الأفضل ، من جملة الكرامات غفران الذنوب اذا كان الباكي باكيًا على الحسين ، المُعترض يرى المغالاة في ثواب زيارة الحسين في ما يقابلها من عدد الحجات و العمرات ، هل الأفضلية لو قارنا زيارة الحسين بالحج الواجب أم المستحب ؟ حيث لو قارننا بين الحج المستحب و زياة الإمام الحسين حينئذ تكون الزيارة بين شيئين مستحبين و هنا لا يوجد اشكال ، فلو لم يحج هذا المكلف ونوى الحج فماذا يُفهم من الروايات ؟ روايات البكاء هي كرامة للإمام و هي روايات متواترة كما ذكرنا .

الروايات الموجودة في كتبنا : عن الشيخ الصدوق كما ذكرنا في صدر المجلس ، اذا تباكى الإنسان - وان كان مستحبًا - وصار عنده حالة من الرقة ، نقول لا تشمله هذه الروايات ، لان البكاء شرط وقيد ، يقول الإمام علي بن الحسين " أيمّا مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خدّه ، بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا، وأيما مؤمن دمعت عيناه دمعا حتى يسيل على خده لأذىً مسّنا من عدونا في الدنيا بوّأه الله مبوَّأ صدقٍ في الجنة، وأيما مؤمن مسّه أذىً فينا، فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خديه من مضاضة ما أُوذي فينا، صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار " ، وهناك رواية " أبي من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر. " و عن مسمع بن عبد الملك البصري قال: " قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا مسمع أنت من أهل العراق؛ أما تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟.. .. قال لي أفما تذكر ما صنع به؟ قلت: نعم، قال: فتجزع؟ قلت: إي والله واستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك عليّ فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي. قال: رحم الله دمعتك أما إنّك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا. " ، اذن الروايات كثيرة ، و يبقى الكلام عن الدلالة و العُلقة بين البكاء و الإستغفار .

ذكر الفقهاء أن الإستغفار من الذنب واجب ، و وجوبه فوري ، أي مباشرة أن يستغفر الإنسان بعد المعصية ، ويتحقق الإستغفار في الدين و الفقه بحالة الندم التي يعيشها الإنسان ، وهي حالة نفسية من انكسار القلب ، من لوازم الندم ألّا يعود على ما كان عليه ، و الا كثير من الأشخاص يندم ولكن لا توجد حالة تلقين النفس من عدم العود ، و هذا الإستغفار ليس استغفارًا ، و لكن استغفاره لا يعني سقوط التكاليف المتعلقة في ذمته بمجرّد الندم ، المُراد من الإستغفار أي أن هذا الإنسان يدخل في جملة المرحومين فتشمله الرحمة ابتداءً ، ولكن لابد أن يأتي بالتكاليف التي تعلقت ذمته بها ، روايات البكاء الصريحة نرد بها على صاحب الشبهة ، أن حال البكاء حاله حال الإستغفار ، و الرد على الإشكال أنّ روايات الإستغفار تفتح باب الجرأة للمعصية كما في البكاء . أمّا في الرد على أن البكاء فيه غفران الذنوب ، هناك عدة وجوه ، الوجه الأول : العُلقة بين البكاء على الحسين و الإستغفار هي علقة التنزيل ، هناك مثال لتوضيح ذلك ، كالتنزيل في أن الطواف في البيت صلاة ، لتبيان ضوابط الطواف وما يشترط في الصلاة يُشترط في الطواف ، أي نزّل الشارع الطواف منزلة الصلاة . و البُكاء على الحسين استغفارٌ ، فنزّل البكاء على الحسين منزلة الإستغفار ، ولكن التّنزيل في الطواف تنزيل بلحاظ الشروط ، و البُكاء مُنزّل منزلة الإستغفار في النتيجة . وهذا خطأ حيث لا يوجد لسان التنزيل بأن البكاء استغفار .

الوجه الثاني : هناك قاعدة عامة أن كلّ المسلمين يعتقدون بوجوب الإستغفار ، روايات البكاء على الإمام الحسين من العوامل المساعدة ، فقد يُغفر لك ، إن البكاء على الحسين لا يُحقّق الغفران الفعلي بل يُحقق الغفران الشأني ، وهناك مثال من سورة الحج في تفسير الزمخشري " {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} {يَوْمَ تَرَوْنَهَا} منصوب بتذهل. والضمير للزلزلة. وقرئ {تذهل كل مرضعة} على البناء للمفعول: وتذهل كل مرضعة أي: تذهلها الزلزلة. والذهول: الذهاب عن الأمر مع دهشة فإن قلت: لم قيل: {مُرْضِعَةٍ} دون مرضع؟ قلت: المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي. والمرضع: التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به فقيل: مرضعة؛ ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة {عَمَّا أَرْضَعَتْ} عن إرضاعها، أو عن الذي أرضعته وهو الطفل وعن الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام، وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام. " وهذا خطأ أيضًا ، حيث الإمام يقول " غفر الله له " و لم يقل " سيغفر الله له " فان الغفران فعلي وليس مساعدًا .

الوجه الثالث : لا تكليف لنا بالبحث عن معرفة العلقة بين البكاء على الحسين و بين الإستغفار لأنه أمر تعبدي ، و نحن عادةّ لا نبحث عن علل الأحكام ، و كذلك البكاء على الحسين ، و أن نتيجة البكاء هي الإستغفار هي أمر تعبدي ، و هذا الوجه له ارتباط ببحث تقييم حركة الحسين ، بعض الباحثين يقيّم خروجه أما لإقامة دولة و البعض يقول أنه خرج للشهادة لأنه يعرف ما سيحلّ به ، و البعض يقول بانها حركة تعبدية من قبيل السر الإلهي ، لا يعرف عنها شيئًا كما يرى صاجب الحدائق ، و صاحب التوجيه الثالث يتبنى هذا الكلام أيضًا ، وبالتالي لا داعي للتعمّق في مداليلها ، و هذا لا يُعتبر جواب علمي ، فاذا الباحث و المحقق تمكّن من ايجاد عُلقة علمية فما الضّير في ذلك ؟ الوجه الرابع و الأخير : العلاقة بين البكاء و الإستغفار علاقة العلة بالمعلول ، اذا تحقق البكاء تحقق الإستغفار مباشرة وهذا هو الوجه الصحيح . هذه الدموع مقدسّة ، السيد المرعشي النجفي يُنقل بأنه أوصى بان يُدفن معه المنديل الذي كان يبكي فيه على الحسين ، فهذه الدموع تطفئ النار . هناك علقة سببية بين البكاء و بين الغفران ، وكما قلنا بأن التكاليف لا تسقط عنك بمجرد البكاء ، وهذه كرامة من كرامات الإمام حيث يقوم البكاء مكان الإستغفار .

أخيرًا ، نرد على شبهة سقوط الحج ، فنقول : لا يسقط الحج بزيارة الحسين ( ع ) ، هذه الشبهة معلومة في الزمن القديم ، عن الرضا (عليه السلام)، قال: من زار قبر الحسين (عليه السلام) فقد حج واعتمر، قال: قلت: يطرح عنه حجة الاسلام، قال: لا، هي حجة الضعيف حتى يقوي ويحج إلى بيت الله الحرام، أما علمت أن البيت يطوف به كل يوم سبعون الف ملك حتى إذا أدركهم الليل صعدوا ونزل غيرهم فطافوا بالبيت حتى الصباح، وان الحسين (عليه السلام) لاكرم علي الله من البيت، وانه في وقت كل صلاة لينزل عليه سبعون الف ملك شعث غبر لا تقع عليهم النوبة إلى يوم القيامة ، أكثر الروايات تقول بأنه يعدل و لم يقل أفضل الا في موارد محددة . كأنما نقول بأن روايات زيارة الحسين لا تريد تبيان الأفضلية على الحج الواجب ، بل أن يكون أفضل اذا كان مستحبًا و هذا ما يمكن الإستفادة من الروايات في المقارنة بين مسنحب و مستحبّ آخر ، لماذا ربطت الروايات زيارة الحسين بالحج و العمرة ؟ كل الروايات تجعل زيارة الحسين في قبال الحج و العمرة ، لأن الحسين خرج مقهورًا من أرض مكة ، فعوّض الله زائريه بالحج و بقيت هذه الغُصّة و المحنة في قلب الحسين . فاكمال المناسك في الحج هو المطلوب لكن الحسين ( ع ) لم يكملها .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع